فقد أمر الله عباده بالفرار إليه، واللجوء إلى جنابه، والهجرة إلى رِضوانه، فالفرار يكون من أوحال المعصية إلى جنات الطاعة، واللجوء يكون من طُغيان المخلوقين إلى عزة رب العالمين، والهجرة تكون من ضيق الدنيا وأوزارها إلى سَعة رحمة الله وحُسن هداه.
ولما كانت الدنيا دارَ غُربة وانتقال لا دارَ وطن واستقرار، أرشد الله عباده إلى أهمِّ ما يقطعون به منازلَ السفر إليه وينفقون فيه بقيةَ أعمارهم، فأرشد مَن بيده الرشد إلى أن أهم شيء يقصده العبد إنما هو الهجرة إلى الله ورسوله.
والهجرة هجرتان: هجرةٌ بالجسم من بلدٍ إلى بلدٍ، وهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه الهجرة هي الهجرةُ الحقيقية وهي الأصل، فيهاجِر بقلبه من محبَّةِ غيرِ الله إلى محبَّتِه، ومن عبودية غيرِه إلى عبوديته، ومن خوفِ غيرِه ورجائِه والتوكُّلِ عليه إلى خوفِه ورجائِه والتوكُّلِ عليه، ومن دعاءِ غيرِه وسؤالِه والخضوعِ له والذُّلِّ والاستِكانةِ له إلى دعائِه وسؤالِه والخضوعِ له والذُّلِّ والاستِكانةِ له، وهذا بعينه معنى الفِرار إليه، والتوحيدُ المطلوبُ من العبد هو الفِرار من الله إليه.
وفي هذا الكتاب «زاد المهاجر إلى ربه» يعرض المؤلف ابنُ القيم كيفية الهجرة إلى الله، والوسائلَ التي يجب على المسلم اتخاذُها ليصل إلى ربه، وحقيقةَ التقوى والإيمان... إلى غير ذلك من سبل الهجرة، ومعوِّقاتها ومحبِّباتها. فيسر «دار الفاروق للاستثمارات الثقافية» أن تقدم لقرائها هذا الكتاب القيم، عسى أن يكون زادًا في رحلة الحياة المستمرة لمن يقرؤه.
|